الذكرى 35 لصرخة : “معصوم قرقماز” وبدء الكفاح المسلح

0 18.544
image_pdf

بدأ الربيع بكل عنفوانه. من لم يعش فصل الربيع في كردستان، ولم يشاهده بأم عينيه، يكاد يستحيل عليه أن يعرف رونق وجمال الربيع على حقيقته، صحيح أن الربيع جميل وبهيج في كل مكان، لكن ربيع كردستان شيء آخر.

الربيع يحول جبل هركول إلى لوحة من الألوان الزاهية، وسط سندس أخضر، رقع ومساحات بمئات الألوان، أما سلاسل الجبال، فمزرقة ضبابية، قمم تعانق صفاء السماء، جبال بكر لم تطلها بعد قذارة الآلة.

رغم ذلك، البرد له حضور متلازم، خاصة مع حلول الليل، ليس فقط في القمم، بل في كل مكان من مرتفعاته لا يخلو هواؤها من لسعات البرد، في نقطة التمركز لوحدة قوات هركول الفدائية، ليلاً، كانت النيران موقدة في عدة أماكن، بعدد مجموعات الوحدة، بينما مهمة ضابط الحرس، إلى جانب مهمته في تبديل الحراسات، كانت أيضاً تلقيم النيران بالحطب بين الحين والآخر، بينما المقاتلون متمددون من حولها شبه متلاصقين، أقدامهم عند نقطة توجه ألسنة النار، كأنهم أسهم تستمد طاقتها من دائرة النار، متلاصقون كأشبال لايزالون في العرين، يستمدون الدفء من بعضهم البعض كجسد واحد.

وفي يوم آخر مشمس في جبال قنديل توجه الرفيق دوغان إلى مكان تجمع مقاتلي الوحدة، حيث توزع المقاتلون والمقاتلات فوق الصخور جالسين ومتأهبين، بعضهم جلسوا على الأرض مسندين ظهورهم إلى الصخور، مشكلين حلقة مفتوحة، وما أن وصل دوغان الموجه السياسي للسرية، وقف الجميع وقفة عسكرية.

  • تفضلوا بالجلوس. تفضلوا.

توقف لبرهة بحزم، دون أن يتكلم، كأنه يعيد ترتيب أفكاره، ليعرف من أين يبدأ. بينما أعين الجميع منصبة عليه. متوسط القامة، ممشوق الجسد، عضلاته بارزة، ذراعاه مستقيمان بجانب فخذيه، رأسه مستدير، وذو جبين خفت كثافة شعره تحت تأثير الشمس وتضاريس الجبال. وقف أمامهم كجزء من تلك الصخور الشماء. استمد صلابته من هذه الجبال، جمع شتات أفكاره وشق جدار الصمت وبدأ:

  • نعيش الآن في مرحلة متقدمة من مراحل الثورة، ولكل مرحلة ظروفها وخصوصياتها التي تجلبها معها، هناك نقاط تتطلب منا أن نكون في الصورة. لنفهمها ونناقشها معا، ليس من الوجه العام فقط ومنطق الاقتراب السطحي للمعطيات، بهذا المنطق لا يمكن للمناضل الثوري أن يخطو المراحل بخطوات سليمة، الاستمرارية تكمن في المعنويات والإيمان بعدالة القضية. وذلك يتطلب فهماً صحيحاً للواقع السياسي والعسكري وتصحيح حياتنا اليومية.

وتابع القائد الفدائي:

  • بطبيعة الحال ذلك ناتج عن الجهل وعدم الوعي، فالإمر يختلف في المرحلة التي نمر بها، وكي نتعمق في فهم هذه المرحلة أكثر، هنالك تعليمات القائد وتحليلاته الأخيرة، سنقرأها معاً وسنناقشها، أما ما نحن فيه وحول التطورات في المنطقة، فمنذ بداية حملة الربيع هذه، وها نحن على أبواب المرحلة الثانية من حملتنا، والحملة ستكون كحرارة الصيف. لا سيما كوننا في منطقة الشرارة الأولى والطلقة الأولى التي أطلقها قائد ” ARGK ” الشهيد الرفيق معصوم قورقماز ” عكيد “.

الفكر الوطني المنتشر في منطقتي ( سيلفان ) ، و الحركة الثورية في تركيا بالإضافة إلى اهتمامي بحركة الشبيبة المثقفة – التقدمية صاحبة العواطف الإنسانية ورغبتي الجامحة في تحقيق أخوة جذرية بين شعوب المنطقة هي التي ساهمت في أن أكون ثائراً ، بالرغم من أنني كنت مهتماً بالثورية في السابق إلا أن ثوريتي بدأت مع حركتنا ولم أكن على أية علاقة سياسية مع أي من الحركات الثورية ، بدأت علاقتي مع حركتنا في العام 1977 بعد قناعتي ورؤيتي للميزات الاستقلالية – التجديدية لهذه الحركة وإدراكي للفرق بين هذه الحركة من جهة والجماعات الاجتماعية – العنصرية و الإصلاحية من جهة أخرى، هكذا قررت الانضمام تماماً إلى حزب العمال الكردستاني “.

ولد القائد العسكري معصوم قورقماز ( عكيد ) في العام 1956 في ناحية سيلفان التابعة لـ ديار بكر ( آمد و هاجرت عائلته واستقرت في باطمان حين كان طفلاً ، نمى وترعرع في باطمان و شارك في أول النشاطات الثورية من هناك ، اهتم بالحركات الشبابية المثقفة بشكل عام بعد العام 1970 و تعرف على الفكر الآبوجي و حزب العمال الكردستاني عن طريق صانع الحياة الكريمة ( مظلوم دوغان ) والتحق بالمجموعة بتأثيره المباشر.

تميزت نشاطات الرفيق عكيد ( معصوم قورقماز ) بالفاعلية والنشاط والحيوية وكان رائداً في العمل أينما تواجد ، حقق في شخصيته تطورات كبيرة عبر إعلانه الحرب على رجعية الوسط والمحيط الذي كان يعيش معه وذلك عبر الإيديولوجية والسياسة والتنظيم

تميز ببراعته في ممارسة الحرب الشعبية ضد الجيش التركي وحقق قفزات نوعية من حيث الممارسة والنظرية في هذا المجال وهذا ما ساهم في أن تكون شخصيته العسكرية المنضبطة ملفتةً وبالتالي وصوله إلى المعسكرات الفلسطينية في لبنان عام 1980 وتلقي دروة تدريبية مدة ثماني أشهر ، ثم عودته إلى جبال كردستان كقائد عام لقوات الكريلا . أن تبدأ بالعملية الرسمية الأولى ضد الجيش التركي وتكون قائداً ميدانياً للكريلا في الجبال في ذلك الوقت أمر ليس بالسهل ، فالتجربة كانت معدومة بجانب الإمكانات المحدودة ، وكل الأنصار حينها كانوا طلاب جامعيون لم يروا كردستان بأعينهم فكيف لهم أن يتخذوا من الجبل دياراً ويخلقوا هناك كل شيء من العدم في وقت كان فيه تأمين مقدار قليل من الذخيرة والتموين واللباس مشكلة جادة ، بالإضافة إلى حالة اليأس التي كان يعيشها المجتمع الكردي وإنغلاق كل أبواب الأمل لديه كنتيجة لسياسة الصهر والإنحلال التي مورست بحقه لأعوام طويلة .

حينها كانت مقولة ” سنبدأ بالكفاح المسلح ضد الدولة التركية ” جملةً مضحكةً لدى أكثر العائلات المتلزمة بالثقافة الكردية ، أفضل الردود على هذه الجملة كانت بـ ” إنه جنون ” و ” دعوا هذا الامر الفارغ ” ، فكان تنظيم الجماهير والميليشيات يستدعي إرادة صلبة بالإضافة إلى ممارسات عملية ناجحة تعيد للجماهير ثقتها وأملها.

اختير معصوم قورقماز عضواً للمجلس المركزي لقوات تحرير كردستان HRK عام 1980 وتكفل بإدارة فصيلة 14 تموز للدعاية المسحلة في كردستان ، كما قام بتحضير المجموعات استعداداً لدخولها إلى جبال كردستان كـ مقاتلين مسلحين وأرسل المجموعات الدليلية الكاشفة والمستطلعة للطرق إلى كل أنحاء كردستان بدءاً من شمال كردستان حتى شرق كردستان وجنوبها .

هو مخطط وصانع الفرز في العملية الأولى ضد الجيش التركي في ( أروه ) خلال بدء قفزة 15 آب ، وكانت آخر كلماته قبل بدء العملية هي كالتالي :

” لا يجوز لأحد الخروج عن نطاق المخطط دون إذن ، ولا يجوز ترك الخنادق مهما كانت الأسباب ، يجب أن تكون النيران مصيبة وقاتلة ، لا يجوز أن يتم استهلاك الطلقات في مكانها غير المناسب ، على الرفاق أن يتجنبوا توجيه البنادق إلى الرفيق الذي أمامه ، على الجميع إبداء يقظة خاصة لتجنب إصابة أي مدني ، يمنع النهب ، وعلى الجميع التقيد بالنظام الدفاعي لعملية الإنسحاب “

ربما هي بديهيات في يومنا الراهن ، لكن المقاتلين الكرد كانوا يسمعونها لأول مرة ، فهي العملية الأولى ، والرفيق عكيد كان يردد هذه الكلمات لأول مرة ، مقاتلوه طلبة جامعيون لم يشاركوا في عمليات مسحلة من قبل والتجربة والتراكم العسكري للحزب معدومة ، وكل الذخير هي 180 طلقة كما يجب أن تكون العملية ناجحة .

أطلق الطلقة الأولى من الثورة الكردستانية في عملية أروه التي عرفت بحملة 15 آب 1984 ومنذ تلك الطلقة بدأت ثورة عارمة في كردستان وبدأت مقاومة الكريلا المستمرة حتى هذا اليوم، متعارف لدى المقاتلين الكرد في هذا اليوم أن جميع المقاتلين يسعون لتحقيق روح 15 آب وروح القائد العسكري عكيد.

فما هي هذه الروح ( روح عكيد ) ؟ هي أن تحفر بئراً برأس إبرة وتشن حملة شاملة ب 180 طلقة وتحول طلبة جامعيين إلى مقاتلين ومقاومين ثوريين أشداء، وتنظم شعب ينكر نفسه ليصبح شعباً محارباً لأجل الحرية ، هي الروح التي أطلقت النار على الروح الكردية الرجعية وقتلت مفهوم التمرد الكردي التقليدي الرجعي الذي يثور يوماً ثم ينكسر ويعيش مئات السنين دون أمل ، هي الروح الواثقة بالذات والمعتمدة عليها والصانعة لمفهوم ( ثورة مستقلة في كردستان دون أي تبعية )هي الروح التي قررت نجاح العملية قبل بدء العملية وفهمت القائد أوجلان وأصبحت متممة ً للنهج العام للحركة.

منظم ، منضبط، حيوي ونشيط ذو تعاملات مبدئية ، كادح ومتواضع سمي بـ ( مناضل النهج ) ، كان دائماً منبعاً للمعنويات والأمل لرفاقه المبتدئين وللجماهير المحلية في المناطق التي بقي فيها ، كان صارماً في وجه الخصائص التشتيتية محباً للخصائص الجامعة التي تمتن التنظيم .. الطلقة الأولى ضد الجيش التركي في 15 آب 1984 في الوقت الذي كان عدد هذا الجيش في الأجزاء الأربعة من كردستان لا يتجاوز 80 رفيقاً وكانت كل القوات تملك ذخيرة مقدارها 80 طلقة ، كانوا كوادراً قادمين من الجامعات التركية لم يروا جبلاً ولا قرية وما زاروا وطنهم كردستان قط ، لكن عكيد قاد الحملة ونصرها في ظل كل تلك الظروف ، استشهد عكيد في 28 آذار 1986 مختتماً ببطولاته أسبوع البطولة من ( 21 إلى 28 ) آذار.

المصادر : مواقع الكترونية – المقدمة من رواية ” في أغوار الجبال ” .

image_pdf

Cevap bırakın

E-posta hesabınız yayımlanmayacak.